مقدمة المترجم

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد،

فمما لا شك فيه أن كل مؤمن مهتم بأمور المسلمين، يحزنه انقسام الأمة الإسلامية إلى فرق ومذاهب وطوائف مختلفة وأحياناً متنازعة قد يصل الأمر لحد أن يكفِّر بعضها الآخر، ويقاتل بعضها الآخر، لذا يتمنى الحريصون على وحدة كلمة المسلمين أن يوجد سبيل لإنهاء هذه الخصومات المذهبية أو الحد منها، وذلك عبر نشوء تفهُّم متبادل بين علماء طوائف المسلمين، يتعرّف به كلّ منهم على حقيقة مذهب الآخر، ويتفقون من خلاله على الأصول الأساسية للإسلام، مستقاةً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يعذر بعضهم البعض الآخر في الاجتهادات الفرعية، وفي رؤاهم لحوادث التاريخ الإسلامي، وغير ذلك من الأمور التي لا تمت لجوهر الدين بصلة، ويكون نتيجة ذلك اعتراف كل فريق بإيمان وإسلام ونجاة الفريق الآخر والكفّ نهائياً عن تلقين الأتباعِ كُفْرَ المخالفين أو هلاكَهم في النار، وبذلك تتوحّد صفوف الأمّة وتتآلف قلوب أبنائها تآلفاً حقيقياً لا مصلحياً ظاهرياً، وهو أمرٌ يحتاجه المسلمون أكثر من أيّ وقت مضى في هذا الوقت الذي يواجه فيه المسلمون أعتى التحديات وأشرس العداوة والحروب من أعداء الإسلام وخصومه المعروفين في الشرق والغرب. 

ولقد شعر بهذه الحاجة للتقريب الصحيح بين مذاهب الأمة الإسلامية الكبرى - باعتبار أنها نابعة جميعاً في الأصل من الإسلام الحنيف تتحرّك فيه وتتمسّك بأصوله وأن انقسامها لم يكن في الواقع إلا نتيجة لاختلافات أو صراعات سياسية قديمة أكل عليها الدهر وشرب - رجالٌ عقلاءٌ من أهل العلم والفضل وأهل الخير والحرص على الإسلام والمسلمين، فأدركوا ضرورة بذل الجهود لرأب الصدع وإزالة سوء التفاهم الناجم عن جهل أبناء الطوائف الإسلامية ببعضهم البعض، فقاموا بجهود طيبة في هذا المجال، تجَلَّت بتأليف الرسائل والكتب ونشر المقالات حول ضرورة الوحدة الإسلامية، كما تجلّت في دار التقريب التي نشأت في القاهرة - والتي لم تستمرّ لأسباب سياسية - وما كان يصدر عنها من مجلّة تضمّ مقالات ممتازة يكتبها علماء الفريقين، وتلك الموسوعة الفقهية التي جمعت بين دفّتيها آراء المذاهب الفقهية الإسلامية الثمانية، ولا زالت تصدر، ثم تجلّت بمراسلات ولقاءات بين بعض علماء الفريقين السنة والشيعة في العراق وسوريا ولبنان، وفي تجمّع علماء المسلمين في لبنان، وفي دار التقريب التي أنشئت مؤخراً في إيران وفي لبنان وفي ندوات التقريب بين المذاهب الإسلامية التي تتمّ في بعض الدول العربية والإسلامية سواء في آسيا أو شمال أفريقيا، وفي غير ذلك من الجهود الطيبة المشكورة. 

و هذا الكتاب، في رأيي، محاولة طيبة في هذا المجال، من أستاذ فاضل عصامي منصف، من إيران، رأى أن من الأسباب الرئيسية لتباعد وافتراق أتباع مذهبه عن سائر المسلمين، عقيدة النص الإلهي على الأئمة: التي ترى أن الأئمة الاثني عشر من آل البيت عليهم السلام، منصوبون ومعينون من قِبَلِ الله تعالى لإمامة المسلمين السياسية والدينية، مفترضو الطاعة على العالمين بأمرٍ مُنَـزَّلٍ من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فالإيمان بهم ومعرفتهم أصلٌ من أصول الدين يساوق أصل الإيمان بالله واليوم الآخر وبنبوّة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، مما يعني بالنتيجة الضرورية، أنه لن تكون هناك نجاة أخروية كاملة لأي مسلمٍ أو لأي إنسان دون معرفة أولئك الأئمة والإيمان بأنهم حكَّام الناس الشرعيين بأمر الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنهم معصومون مفترضو الطاعة على العالمين!( ).

فأراد أن يمحِّص صحّة هذه العقيدة ويرى سندها، فتبيّن له أن مستندها مجموعة من الأحاديث والروايات الواهية سنداً ومتناً، المروية من قبل غلاة أو وضَّاعين لا تقوم برواياتهم أي حجة مهما كثرت، ثم تبين له أن القرائن الخارجية من آيات القرآن ووقائع التاريخ وسير الأئمة أنفسهم تؤكد عدم صدور تلك الأحاديث والروايات وبالتالي عدم صحة العقيدة التي انبنت عليها، فضمَّن نتيجة بحثه هذا الكتاب، مبتغياً بذلك إزالة السبب الرئيسي للتباعد العقائدي بين المسلمين من الشيعة الإمامية عن سائر مذاهب المسلمين، وسماه بالفارسية: "شـاهراهِ اتحاد"، أي طريق الاتحاد الواسع، ونشره سنة 1978 م.

و مما يجدر ذكره في هذه المقدمة بأن مؤلف هذا الكتاب - حسبما عرفته شخصياً - كان وبقي إلى آخر حياته شيعي المذهب جعفري الفقه، متيَّماً بعشق الأئمة من آل الرسول رضوان الله وسلامه عليهم أجمعين، وله كتاب يحكي فيه خواطره ولواعجه لدى زيارته قبر سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام وما زرفه من دموع وما ألقاه من خطبة مؤثرة في الصحن الحسيني، وهو يفتخر بأنه جعفري من مقلدي أئمة العترة وأتباع مذهبهم، ويرى أن مذهب العترة هو، بنص حديث الثقلين، أحق المذاهب وأولاها بالاتباع، فلم يكن هدفه من هذا الكتاب - في الحقيقة - نقد أصل التشيع أو ترجيح مذهب آخر عليه، بل المؤلف كان وبقي شيعياً جعفرياً. وهو وإن رأى أن الإمام علياً عليه السلام لم يُنَصَّ بالتصريح والتعيين على حكومته المباشرة أي خلافته السياسية للرسول صلى الله عليه وسلم من قِبَل الله ورسوله، إلا أنه يرى - كما هو واضح في كتابه هذا - النص على إمامته الروحية، فهو مولى المؤمنين وإمام التقين وملاذ الموحدين ومن تجب محبته ونصرته على كل مسلم، ويرى بأنه أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاهم بخلافته وإمامة المسلمين من بعده، لمقامه ومرتبته في الإسلام التي لا يرقى إليها أحد، كل ما في الأمر أنه رأى أن القول بالنص الصريح، من قِـبَل الله تعالى ورسوله، على إمارته وحكومته المباشرة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وحكومة سائر الأئمة من أولاده إلى يوم القيامة، فكرة لا تثْبُت - في رأيه - وسندها إما روايات غير صحيحة أصلاً أو روايات صحيحة ولكن لا تدل على المعنى المراد.

و لذلك أهيب بكل من يطالع هذا الكتاب، سواء اتفق مع مؤلفه أو اختلف، أن يأخذ بعين الاعتبار قصد صاحبه، وأنه رجل مجتهد يحق له أن يبدي وجهة نظره التي انشرح صدره إليها مستنداً إلى الأدلة والبراهين التي ساقها، ولمن أراد أن يردَّ عليه فله أيضا كل الحق بذلك، فلا كلام المؤلف ولا كلام غيره سيكون الكلمة النهائية في هذا الموضوع الشائك، وعلى أي حال فالكتاب بحث عقائدي روائي فقهي محض وليس له أي غرض سياسي، وفي رأيي أن مثل هذه الأبحاث العلمية، من أي طرف كانت، لا يصح اعتبارها مثيرةً للفتنة، لأنها لا تتعارض أبداً مع الحفاظ على وحدة المسلمين وتماسكهم، ما دامت قد اعتمدت أسلوب البحث العلمي الرصين بعيدا عن الشتائم والتشنج والمهاترات، وكما يقال: الاختلاف لا يفسد للودِّ قضية.